انفرط عقد اتفاق وقف إطلاق النار في عين الحلوة ليل أمس. بعد تسوية النهار التي مالت لمصلحة الإسلاميين وشروطهم، لا سيما تواري بلال بدر، تجدّدت الاشتباكات ليلاً بعد قرار عدد من مقاتلي «فتح» استكمال المعركة حتى تحقيق أهدافها الأولى بإنهاء حالة بدر واعتقاله أو قتله
بدا ليل أمس وكأن تسوية وقف إطلاق النار في عين الحلوة لم تحصل. اشتباكات الليل محت اتفاق النهار الذي توصل إليه طرفا المعركة التي استمرت خمسة أيام، وتوّج بمأدبة غداء احتفالية أقامها الشيخ ماهر حمود على شرف القيادات الفلسطينية الإسلامية والوطنية، في حين كان بلال بدر ومجموعته لا يزالون في حي الطيرة، مانعين القوة الأمنية المشتركة من الانتشار.
ضباط فتحاويون، من بينهم العميد محمود عيسى (اللينو)، قرروا مساءً تجديد المعركة حتى السيطرة على مربع بدر واعتقاله وتسليمه إلى الدولة اللبنانية أو قتله، بعد أن رُصد ومجموعته يتنقلون بحرية بين أحياء الطيرة والمنشية والصفصاف، الأمر الذي فجّر الغضب وجدد الاشتباك، في وقت دفعت فيه التسوية نشطاء فتحاويين من مخيمات عين الحلوة وشاتيلا وبرج البراجنة إلى التظاهر ليلاً احتجاجاً على ما وصفوه بـ«تسوية العار».
المخاوف ازدادت بعد ما أعلنه الناطق باسم «عصبة الأنصار» الشيخ أبو شريف عقل بأن بدر «ليس موجوداً لدى العصبة ولا في عهدتها ولا عند أيّ من القوى الاسلامية في عين الحلوة، ونحن نرفض إيواءه بعد ما ارتكبه من اعتداء ضد القوة المشتركة»، علماً بأن التسوية قامت على تعهّد «العصبة» بتسلم بدر ووضعه في الإقامة الجبرية.
وقد تساءل «اللينو» عمّن «يضمن تطبيق المبادرة وعدم انزلاق الأمور». كذلك سأل «الذين أبرموا اتفاق وقف إطلاق النار والذين يحمون بدر: هل تضمنون القبض عليه وتسليمه الى العدالة وعدم إطلاقه النار على القوة المشتركة؟».
وكان إطلاق النار قد توقف صباح أمس بعد التوصل إلى تسوية بين فتح والقوى الفلسطينية والإسلاميين. توارى «بطل» المعركة، بلال بدر، عن الأنظار داخل المخيم عملاً باقتراح كل من حركة «حماس» و«عصبة الأنصار» ورئيس «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب، إلا أن «فتح» والفصائل الفلسطينية لم تنشر القوة الأمنية المشتركة بعد وقف إطلاق النار مباشرة في حي الطيرة، معقل بدر، وفي كافة أرجاء المخيم. واحتدم الجدل نهاراً بين عين الحلوة ومخيمات المناطق حول ما وصف بـ«تسوية العار» التي أعقبت خمسة أيام من القتال الذي خلّف دماراً وخسائر في الممتلكات وشرّد الآلاف، من دون تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها القيادات الفتحاوية التي لم تنزل عن سقف «اعتقال بدر».
فشل انتشار القوة الأمنية في الطيرة وعدم مغادرة مجموعة بدر له، دفعا بالقيادة السياسية الفلسطينية في منطقة صيدا إلى عقد اجتماع طارئ، تقرر بنتيجته تأجيل الانتشار «في انتظار أن تستكمل القوة الأمنية تجهيزاتها اللوجستية لجهة عددها وعديدها، بعد إصابة عدد من عناصرها في الاشتباك، ولعقد لقاءات تنسيقية مع أهالي الحي»، فيما تردّد أن الجيش اللبناني وافق على التسوية شرط تعهّد القوة الأمنية بضبط الوضع الميداني جدياً.
لماذا لم تستطع فتح الحسم؟ مصدر أمني فلسطيني رأى أن الإسلاميين «انتصروا عسكرياً وسياسياً». عسكرياً، تمكّنوا من توحيد المجموعات المتشددة في جبهة واحدة ضمّت المنضوين في تجمّع «الشباب المسلم» من «جند الشام» و«فتح الإسلام» و«كتائب عبدالله عزام» وأتباع «داعش» و«النصرة» من أبناء المخيم والغرباء العرب والنازحين السوريين ممن اكتسبوا خبرات قتالية في العراق وسوريا. صمد هؤلاء في حي الطيرة الصغير، ولم يحتاجوا إلى عديد أو عتاد إضافيين من خارج المخيم. وقد اكتشف مقاتلو «فتح» وجود عدد من الأنفاق في الحي. في المقابل، استنجدت «فتح» بدعم بشري ولوجستي من مخيمات بيروت وصور. وبحسب العميد الفتحاوي محمود عيسى (اللينو) الذي شاركت مجموعته في القتال، «لم تكن هناك غرفة عمليات مشتركة تدير العمليات العسكرية من ناحية فتح».
«الانتصار السياسي» الذي سجّله الإسلاميون لا يقل شأناً، إذ فرضوا شروط التسوية كما اقترحوها منذ الساعات الأولى للمعركة. وهنا يسجل دور بارز لعبته «حماس» في التواصل مع المرجعيات اللبنانية وسفارات الدول الإقليمية لفرض التسوية، ودفعت رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية إلى دعوة القوة الأمنية للانتشار وحماية المخيم.